البحوث البيولوجية والفيزيائية في الفضاء

0

البحوث البيولوجية والفيزيائية في الفضاء



قبل بزوغ عصر الفضاء كان الحديث عن عالم دون جاذبية ضـربـا مـن الخيال العلمي ورجما بالغيب، إذ لم يكن أحد من بني البشر قد عايش هذه التجربة ليحكي عنها، كما لم يكن هناك اهتمام علمي بالظاهرة إذ لم يكن هناك ما ينبىء أن هناك احتياجا إلى مثل هذه الأبحاث. إلا أن هذا الموقف تغير إلى النقيض اما بعدما أصبح واضحا أن الإنسان فـي طـريـقـه إلـى الصعود إلى الفضاء وأصبح التساؤل عن كيفية تأثره وتـكـيـفـه مـع ظـروف انعدام الجاذبية أكثر من مجرد سؤال أكاد ي، بل هو أساس نجاح الإنسان في غزو هذا الميدان الجديد.

ونحن نتعامل مع الجاذبية الأرضية كحقيقة واقعة لا نلتفت إليها كثيرا في حياتنا اليومية، ومع ذلك فالواقع أنها إحدى أكثر القـوى غـمـوضـا فـي الطبيعة، وهي في الوقت نفسه أكثرها تأثيرا في الحياة على وجه الأرض إذ إنها تحكم جميع صور الحركة والـنـمـاء والـنـشـاط عـلـى ظـهـر الـكـوكـب، والصور التي تؤثر بها الجاذبية في حياتنا لا كن إحصاؤها، ليـس فـقـط لتعددها ولكن أيضا لخفائها أحيانا عن الملاحظة، ولكـن الحـقـيـقـة أن كـل أعضاء الإنسان والكائنات الحية والنبات مكيفة لتتلاءم مع ظروف الجاذبية على ظهر الأرض.

 قوة الجاذبية 


ونحن نظن أننا «نفهم» قوة الجاذبية والواقـع أنـنـا لا نـعـرف شـيـئـا عـن لكنها، ومع ذلك فنحن نستطيع أن نحسبها بدقة مذهلة، ويرجع الفضل في ذلك إلى عالم الطبيعة الأكبر إسحق نيوتن وقوانينه لحساب الجاذبية  الأجسام وهي القوان التي أعطتنا علما من أكثر العلوم الطبيعية دقة وهو علمالم يكانيكا، ونحن نعرف أن الأجسام تجذب بعضها بقوة تتناسب طرديا مع كتلتها وعكسيا مع مربع المسافة بينهاالم لكننا لا نعرف لماذا، وهو السؤال الذي حاول ا^ينشت الإجابة عنه في نظرية النسبية العامة، وأعطى وذجا يشبه الفضاء فيه وسادة من القطيفة وتؤثر فيه الأجسام مثلما تترك كـرة البلياردو علامة في هذه الوسادةالم وهو ما يسمى مجال الجاذبية حول هذا الجسم.

وليس هذا مجال شرح نظريات الجاذبية، غير أن ما يهمنا هنا هو أنه قبل صعورد الإنسان للفضاء كانت هناك مخاوف كبيرة من اخملاطر الـتـي يسببها انعدام الجاذبية علـى رواد الـفـضـاء، ولحـسـن الحـظ ثـبـت أن هـذه اخملاوف مبالغ فيها وأن الفضاء لخارجي وسـط رفـيـق بـالإنـسـان إلـى حـد يثير الدهشة. وعلى أي الأحوال يكفي القول بأنه بينما كان هذا اجملال غير معروف وليس له أي أهمية قبل صعود الإنسـان إلـى الـفـضـاء، فـإن تـأثـيـر الجاذبية الضعيفة في أداء الكائنات الحية قد أصبح الان واحدا مـن أهـم مجالات بحوث الفضاء وأكثرها نشاطا.

ويدخل الاهتمام بتأثيرات ضعف أو انعدام الجاذبيـة فـي الإنـسـان فـي دائرة مجال من البحوث: دائرة البـحـوث الحـيـويـة ودائـرة طـب الـفـضـاء، وتهتم البحوث الحيوية بتأثير نقص الجاذبية في الوظائف الحيوية للإنسان وكيفية أداء أعضاء الإنسان وظائفها. بينمـا يـتـعـلـق طـب الـفـضـاء بـتـلافـي الاثار الضارة لوجود الإنسان لفترات طويلة أو قصيرة في ظـروف انـعـدام الجاذبيةv وأيضا بالاستفادة من ظروف الجاذبية الضعيف في اسـتـحـداث طرق علاج بعض الأمراض على الأرض.

وتنقسم التغيرات التي تحدث للإنسان من جراء الجاذبية الضعيفة إلى ثلاثة أقسام:

تغيرات في الجهاز العصبي نتيجة تأثر أجهزة الاستشعار في الجسم، ويشبه هذا النوع من التغيرات التغير الذي يـحـدث إذا ظـل الإنـسـان يـدور حول نفسه بسرعة كبيرة حيث يحدث بعد توقفه دوار وفقدان للقدرة العادية على أداء الوظائف، كما أن الإنسان يحس بفقدان التوازن إذا أصيب بخلل في الأذن الداخلية وهي مصدر الشعور بالتوازن، وفي حالة الفضاء تـؤدي هذه التأثيرات الفسيولوجية ـ العصبية إلى مايـسـمـى بـدوار الـفـضـاء وهـو إحساس يشبه دوار البحر وينتج عنه الشعور بدوار وميل إلى القيء وتكاسل وفقدان للقدرة على الأداء الطبيعي، وتحدث هذه الاثار خـلال دقـائـق مـن الوجود في مجال نقص الجاذبية، ومن المعروف أن دوار البحـر لا يـصـيـب جميع الناس بالدرجة نفسها وأن بعض الناس لديهم مناعة تجاه هذا النوع من الإعياء أكثر من غيرهم تحت الظروف نفسها، وكذلك الأمر بـالـنـسـبـة لدوار الفضاء، والسبب في ذلك لا يزال غير معروف في الحالـتـ ويـظـل موضع بحث في ميدان علوم الفضاء الحيوية.

والنوع الثاني من التغيرات هو تغيرات في الجهاز الدوري نتيجة انتقال قدر من سوائل الجسم من الجزء الأسفل من الجسـم إلـى الجـزء الأعـلـى. ويحدث ذلك لأن الجسم في ظروف الجاذبية الطبيعية على الأرض يحتفظ في الأرجل بكمية من الدم (٠٫٧ لتر في vتوسـط) وكـمـيـة أخـرى مـن المـاء (١٫٥ لتر) وتبقى هذه الكمية تحت تأثـيـر الجـاذبـيـة فـي الأوعـيـة الـدمـويـة والأنسجة والمسافات البينية. وعندما يتعـرض الإنـسـان لانـعـدام الجـاذبـيـة لفترات طويلة نسبيا (ساعات إلى أيام، وهي المدة التي استغرقتها الرحلات الأولي في بداية عصر الفضاء) فإن هذه السوائل تنـتـقـل مـن الأرجـل إلـى الجزء العلوي من الجسم وتتجمع في أنسجته. ومن التأثيرات الـطـريـفـة - ور~ا المفيدة- لهذا التحول ما لاحظه العلماء من أن رواد الفضاء يبدون في صورهم الملتقطة خلال الرحلات الفضائية «أصغر» بعـدة سـنـوات، وعـزي هذا التغير (المؤقت) إلى احتفاظ أنسجة الوجه بالسوائل بصورة أكبر، ومن المعروف أن وجود السوائل في أنسجة الوجه يؤدي إلى احتفاظه بنضـارتـه واختفاء التجاعيد منه وهو أساس بعض العلاجات الـتـجـمـيـلـيـة الـتـي تـتـم الآن.

وتحول السوائل له تأثير ا^خر، فمن إبداع الله في خلقه أن أوعية القلب بها مستشعرات تقيس كمية الدم في الجسم وتحتفظ بها عند قـدر مـعـ نحو خمسة لترات، وعندما تزيد هذه الكمية نتيجة شرب لتر من الماء مثلا فإن هذه الأوعية تتمدد فترسل المستشعرات إشارة إلى الكلى لإخراج كمية `اثلة من الماء ليحتفظ الجسم بكمية السوائل نفسها.

وهذه الدورة هي إحدى دورات التحكم التـلـقـائـي فـي وظـائـف الجـسـم والتي هي من المعجزات الإلهية البديعـة فـي خـلـق الإنـسـان، ومـن أمـثـلـتـهـا الأخرى دورة الاحتفاظ بدرجة الحرارة عند ٣٧ درجة مئوية بصرف النظر عن الحرارة الخارجية، ودورة الاحتفاظ ستـوى الـسـكـر فـي الـدم، ودورأ حفظ التوازن في وضعي الوقوف والمشي والتي تعتمد على مستشعرات من الع والأذن الداخلية. ومازال الإنسان يكتشف هذه الدورات المعجزة وبعضها قد لا يتنبه لأهميته إلا في ظروف غـيـر عـاديـة مـثـل الـوجـود فـي الـفـضـاء.

والان ماذا يحدث لهذه الدورة في ظروف انعدام الجـاذبـيـة ذكـرنـا أن سوائل الجسم تتجمع بصورة أكبر في الجزء الأعلى نتيجة عدم وجـود مـا يجذبها إلى الأرجل والجزء السفلي، ومن هنا تـزيـد الـكـمـيـة المـوجـودة فـي الأوعية الدموية العليا ومنها أوعية القلب فترسل تلك الإشارة إلـى الـكـلـى طالبة التخلص `ا تتصور أنه ماء زائد، ويؤدي نقص الماء بطبيعـة الحـال نتيجة هذا الخلل إلى ضعف قدرة العضلات على الأداء والإحساس السريع بالإرهاق.

أما النوع الثالث فهو تغيرات طويلة المدى (أسابيع إلى شهور) وتنتج عن نقص الإجهاد الطبيعي للعضلات والناتج عن تحريك هذه الـعـضـلات فـي حركتها العادية كرفع الأشياء في مجـال الجـاذبـيـة، وعـنـدمـا يـخـتـفـي هـذا اجملهود نتيجة انعدام أو نقص الجاذبية فـإن الـعـضـلات تـعـانـي مـن درجـة كبيرة من «آلترهل» بسبب عدم الاستخدام، ويتغلب العلماء على ذلك خلال الرحلات الطويلة مثل البقاء على ظهر محطة الفضاء مير (أكثر من سنـة كاملة) بتزويد هذه المحطات بأجهزة للتدريب الرياضي، ويصبح هذا التدريب ليس جزءا فقط من البقاء في حـالـة صـحـيـة جـيـدة كـمـا هـي الحـال عـلـى الأرض ولكنه ضرورة للاحتفاظ للعضلات بوظيفتها وحمايتها من الضمور.

وفـي بـدايـة عـصـر الـفـضـاء لـم يـكـن مـعـروفـا الـكـثـيـر عـن الـتــأثــيــرات الفسيولوجية للجاذبية الضعيفة في الإنسان، وكان هناك بعض القلق أيضا فيما يتعلق بالتأثيرات النفسية لوجود الإنسان وحيـدا فـي الـفـضـاء بـعـيـدا اما عن كل ما يربطه بالكوكب الأم. ولذلك صممت برامج الفضاء الأولى لاستكشاف هذه التأثيرات وكان من أولها برنامجا فوسـخـود الـسـوفـيـيـتـي وميركوري الأمريكي.

ومن وجهة النظر الطبية كانت أهم نتائج هذين البرنامج استبعاد أي مخاوف خطيرة من جراء وجود الإنسان في الفضاء، وثبت أن الإنسان الة عظيمة التأقلم وأن الفضاء بصفة عامة ليس وسطا مـعـاديـا لـلإنـسـان إذا اتخذت الإجراءات الوقائية المتوقعة من تكييف للضغط وحمايـة مـن تـغـيـر درجات الحرارة وتزويد بالهواء إلى غير ذلك.

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق