دور الاقمار الصناعية في الملاحة
الملاحة هي معرفة موقع ومسار المسـافـر فـي الـبـر والـبـحـر فـي غـيـاب الملامح والتضاريس الأرضية المميزة. وفي البر ـلـك الـبـدو قـدرة خـارقـة على حفظ التضاريس البسيطة وييز كثبان الرمال والاهتـداء بـالـنـجـوم. أما في البحر فكان أجدادنا لكون خرائط بـدائـيـة ووسـائـل بـسـيـطـة للملاحة، وكانوا يسيرون حاذاة الشواطىء ويستطيعون تحديد خط العرض بشكل تقريبي عن طريق مراقبة الليل والنهار، ومكان مجـمـوعـات الـنـجـوم بالنسبة للأفق. والملاحة أحد أقدم العلوم في الـعـالـم عـلـى الإطـلاق، وقـد كانت الأجسام السماوية لالاف السن هي الوسيلة لتحديد المواقيت والمواقع.
فضل العرب على الملاحة والجغرافيا
وقد كان للعرب والمسلم سبق غير منكر في وضع أسس هذه العلوم، ويحتفظ لنا التاريخ والتراث العربي بكثير من قصص المـلاحـ والـبـحـارة وقصة السندباد البحري في ألف ليلة وليلة تعد من عيـون الأدب الـعـالمـي، ومن الملاح العرب الكبار نجد ابن ماجد وهو الملاح الذي قاد فاسكودي جاما في رحلته عبر رأس الرجاء الصالح، كما يعتـقـد أن الـذي قـاد سـفـن كريستوفر كولمبس إلى العالم الجديد كان ملاحا عربيا. ولا يستغرب هـذا فقد خرج كريستوفر كولمبوس في ١٤٩٢ من إسبانيا بتشجيع من فرديـنـانـد وإيزابلا عشية سقوط الأندلس احتفالا بهذا النصر. وكانت العلوم ومـنـهـا علوم الملاحة حتى ذلك الح كلها عند العرب. وقد حكى عالم الجغرافيا العربي الكبير الإدريسي أنه في القرن الرابع «خرج جماعة من لشبونة كلهم أبناء عم، وأنشأوا مركبا وتزودوا فيه، ثم ركبوا بحر الظـلـمـات واقـتـحـمـوه . وبحر ٢ ليعرفوا مافيه من الأخبار والعجائب وليعرفوا إلى أين انتهاؤه..» الظلمات كما نعلم هو المحيط الأطلنطي، ولم يكن هؤلاء الملاحون ليركبـوا م̈ مثل هذا المحيط دون كن من علوم الملاحة والفلك.
وهكذا كان العرب في الواقع هم الذين قادوا العالم خلال الاكتشافات الجغرافية الكبرى، ولعل هذا فصل من التاريخ لم يكتب على حقيقته بعد. أما الإدريسي نفسه فكان أعظم علماء الجغـرافـيـا فـي عـصـره ومـن أبـقـى العلماء أثرا في تاريخ العالم، ونحن نسوق هذ ه الأمثلة في مجال حديثنا عـن إنجـازات الـعـصـر فـي عالم الفضاء ليعلم شبابنا أن أمتنا غير منقطعـة الـصـلـة بـإنجـازات الـعـلـم وإسهامه في تقدم البشرية ككل، ومن هنا فإن لنا الحق كل الحق في الأخذ من نتائجه بجانب دون إحساس بالصغار أو التطفل على الغرب، وعلينا في الوقت نفسه فريضة الإسهام في حاضر البشريـة ومـسـتـقـبـلـهـا ووصـل مـا انقطع من حضارة مجيدة بحق.
ولعل الفقرة التالية التي جاءت في كتاب غربي منصف تعبر أكثر من أي شيء عن إسهامنا الحضاري، وقد وردت في كتاب «عـنـدمـا تـغـيـر الـعـالـم» للكاتب الإنجليزي جيمس بيرك :
«استمر تدفق طلاب العلم على إسبانيا في طوفـان مـنـتـظـم، فـاسـتـقـر بعضهم هناك وتفرغ اخرون لترجمة النصوص التي كانوا يبحثون عنها ثم عادوا مرة أخرى إلى بلادهـم فـي الـشـمـال، غـيـر أن الجـمـيـع قـد أصـابـه الذهول من تلك الحضـارة الـتـي وجـدوهـا فـي الأنـدلـس، فـقـد وجـدوا فـي إسبانيا مجتمعا ثقافيا على درجة عالية جدا من التفوق بالمقارنة مع مستوى اجملتمع الثقافي في بلادهم، ا ترك لديهم إحساسا بالغيرة من الثقافـة العربية التي ظلت تؤثر في الفكر الغربي مئات السن.
وكان من أوائل المثقف الذين وصلوا إلى إسبانيا وعاد حاملا مكتشفاته رجل إنجليزي يدعى أديلارد يتركز اهتمامه بالدرجة الأولى على علم الفلك. ويرجع الفضل إلى أديلارد في أنه أول من قدم منهج التفكير الجديد فـي المؤلفات العربية وقام بتفسيره، وهو المنهج الذي تأثر به الأوروبيون المعاصرون تأثرا عظيما. قدم أديلارد هذا المنهج في كتاب استخدم فـيـهـمـا أسـلـوب الحوار، حيث تصور أنه يدير حوارا مع ابن أخيه الشاب الصغير الذي لـم يسافر قط خارج البلاد ويريد أن يعرف ماذا تعلم عمه من العرب. وأوضح أديلارد في الكتاب كيف تعلم المذهب العقلي، والمدخل العلماني الـبـحـثـي للعلوم الطبيعية. ومن ب المقولات التي لها دلالتها وجاءت في هذين الكتاب قوله: كلما اتجهت أكثر إلـى الجـنـوب، اكـتـشـفـت أنـهـم يـعـرفـون المـزيـد مـن العلم.إنهم يعرفون كيف يفكرون.
الملاحة القصورية navigation Inertial
ونعود الان إلى موضوع الملاحـة فـنـقـول إن عـلـى الأرض أو فـي الـبـحـر تعرف بالنسبة لمواقع النجوم البعيدة، ومع تطور وسائل السفر بالجو أضيف إلى علوم الملاحة معرفة الموقع في الجو. وكن إدراك أهمية الملاحة فـي الجو بتصور رحلة تشارلز ليندنبرج رائد الطيران الأمريكي الذي كان أول من قطع الأطلنـطـي طـائـرا دون تـوقـف. ولـنـا أن نـتـصـور أن أي خـطـأ فـي الملاحة كان كن أن يؤدي إلى إطالة زمن الرحلة التي استمرت ٣٦ ساعة لم يذق فيها ليندنبرج طعـم الـنـوم إلا أو لمـا هـو أسـوأ وهـو أن يـنـفـد الوقود في عرض المحيط.
وعندما يصعب رصد النجوم لظروف المطر أو العواصف فإن الراصـد يعتمد على أسلوب يعرف بتقدير الموضع reckoning dead والتي تعتمد على معرفته وقع بداية رحلته وبحسابه الدقيق للسرعة والتغيـرات المـتـتـابـعـة في الاتجاه كنه معرفة أين ينتهي.
وهناك أجهزة عديدة للمساعدة على تقدير الوضع وأهمها أجهزة الملاحة القـصـوريـة navigation inertial وتعتمد هذه علـى مـجـمـوعـة مـن المـعـجـلات accelerometers أجهزة قياس تغير الـسـرعـة والجـيـروسـكـوبـات gyroscops أجهزة لقياس التغير في الاتجاه والتي تؤدي في النهاية إلى حساب الموقع. ومازالت هذه الأجهـزة تـسـتـخـدم فـي أغـراض المـلاحـة والـتـوجـيـه لـلـسـفـن والغواصات والصواريخ العابرة للقارات. وتعتبر مكملة للملاحة بالراديو أو بالأقمار الصناعية، غير أن هذه الأجهزة الـقـصـوريـة -وكـل أجـهـزة تـقـديـر الموضع- تعاني تراكم الأخطاء والانحرافات الدقيقة مع مرور الزمن. ولذلك فإن جزءا كبيرا من الجهود البحثية في مجال التوجيه والتحكم كان يوجـه في الفترة الماضية إلى تحس دقة أجهزة الملاحة والتوجيه القصورية تلك.
وعند استخدامها لتوجيه الصواريخ أو الطائرات في طلعـات قـصـيـرة، فإن هذه الأجهزة تؤدي وظيفتها بكفاءة نظرا لقصر مدة طيران الصواريخ والتي قد تكون في حدود بضع دقائق، ولذلك كن القذفية (الباليستية) توجيهها من لحظة الإطلاق إلى لحظة إصابة هـدفـهـا بـاسـتـخـدام أجـهـزة قصورية عالية الدقة. أما في حالة الغواصات والطائرات الإستراتـيـجـيـة، وهي التي تقضي في الجو أو البحر مددا طويلة، فإن الاعتماد الكامل على الملاحة القصورية يعرضها لأخطاء كبيرة، ولذلك فلابد من ضبط أجـهـزة الملاحة فيها على نقاط مرجعية يتم الاتصال بها ب واخر، ـا قـد يعرض الغواصات مثلا إلى خطر الكشف عن مكانها.
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق