رحلة للفضاء : رحلة إلى المريخ
السفر إلى المريخ من الموضوعات التي لها أهمية كبرى. ولقد ظل هذا الكوكب، طوال القرون الثلاثة الماضية، موضع اهتمام علماء الفلك و غيرهم من العلماء، لقربه من الأرض وتشابه ظروفه الطبيعية. ولم يعد خبراء الكواكب الأن ليقنعوا بدراسة سطح المريخ من على سطح الصور الفوتوغرافية، إذ إنه يبدو صغيرا حتى ولو استخدمنا أضخم التلسكوبات في النظر إليه.
ومن المحتمل أن تسبق رحلتنا إلى المريخ، التي ننوى الهبوط فيها على سطحه، رحلات استطلاعية حول الكوكب، كما هي الحال في رحلتنا إلى القمر. ومن ثم فإن سفن الفضاء ستتحول مؤقتا إلى كواكب صناعية تابعة للمريخ. والواقع أن عملية الهبوط والانطلاق ستكونان عمليتين شاقتين للغاية في المراحل الأولى من سفرنا عبر الفضاء. وأهم هذه العقبات هي؛ أن الوقود اللازم للعودة من الرحلة لابد وأن يحمله المسافرون معهم من الأرض. ولا شك في أن البحث التفصيلي لسطح المريخ سيساعدنا على اختيار أفضل الأماكن التي تصلح للهبوط، كما سيساعدنا هذا البحث في الحصول على معلومات لا يتيسر لنا التثبت من صحتها ونحن هنا على الأرض. وهذه المعلومات ضرورية جدا بالنسبة لنا قبل أن نبدأ رحلتنا لنغزو المريخ ونرسو على أرضه.
وأول الأمور التي يجب أن تتوفر على بحثها هي؛ هل من الممكن الاستفادة من بنية وتركيب الغلاف الغازي المحيط بالمريخ التهدئة سرعة سفينة الفضاء؟ ومثل هذا البحث سيساعدنا كذلك على اكتشاف مسائل مهمة مثل: هل يستطيع الإنسان أن يحيا على ظهر هذا الكوكب؟ وهل غلافه الغازی يهيئ لنا الوقاية الكافية لحمايتنا من الإشعاعات الضارة، والشهب التي لا تحصى والتي تتساقط عليه من الفضاء الخارجي؟ ولقد اكتشف العلماء أن الأشعة فوق البنفسجية ستنفذ إلى سطح الكوكب، وتهدد حياة المسافرين عبر الفضاء. وعرف العلماء ذلك لأن الغلاف الغازي المحيط بالمريخ خل ومن غاز الأوزون الذي يمتص الأشعة فوق البنفسجية التي تسقط من الشمس.
وهناك عدة مسارات مختلفة يمكن اتباعها للطيران حول المريخ. وتتوقف المدة التي تستغرقها الرحلة، والسرعة المبدئية التي تنطلق بها سفينة الفضاء، على نوع المسار الذي يقع عليه الاختيار.
ولنفترض أننا سنتبع مسارا يستلزم عامين لإتمام الرجلة . يجب أن ينطلق الصاروخ من محطة الفضاء في منتصف الليل حسب التوقيت المحلي، حينما تكون مراكز كل من الأرض والشمس والمحطة على خط مستقیم. إذ إن هذه هي أفضل اللحظات المناسبة، لأن اتجاه حركة محطة الفضاء سيتفق مع اتجاه الصاروخ المنطلق. وسوف يستفيد الصاروخ في انطلاقه من السرعة التي تسير بها محطة الفضاء، وينطلق الصاروخ حينئذ بأقل سرعة ممكنة وقدرها 4٫۳ كيلو مترات في الثانية. ولكن إذا كانت الرحلة ستبدأ مباشرة من فوق س طح الأرض، فإن السرعة اللازمة حينئذ هي ۱۲٫۳ كيلو متر في الثانية.
وإذا كان الصاروخ المنطلق يزن عشرة أطنان، وسرعة العالم أربعة كيلو مترات في الثانية، فإنه لابد وأن يحمل ۱۹٫6 طن من الوقود. وذلك إذا كان سيبدأ رحلته من فوق محطة الفضاء. أما إذا كان سيبدأ رحلته من فوق سطح الأرض فإنه سيحتاج إلى ۲۱۹ طنا من الوقود.
وتتغير سرعة الصاروخ باستمرار طوال فترة طيرانه عبر الفضاء. إذ سيبدأ رحلته وينطلق بأقصى سرعة ممكنة له. ثم تأخذ الكرة الأرضية.
وبعد أن يقترب الصاروخ من المريخ يحاول أن يرتد عنه إلى مسافة معينة وينطلق في الفضاء الخارجي ونظرا لأن المريخ يدور حول محوره، فإن المسافرين سيتمكنون من التقاط صور لسطحه أثناء طيرانهم حوله.
وتصل سفينة الفضاء أقصى نقطة في مسارها بعد عام واحد من طيرانها، وبذلك تكون قد قطعت مسافة ۲ , ۱۷5 سنة ضوئية بعيدا عن الأرض، وهنا تبلغ سرعتها أقل مدى لها. وبعد أن تتجاوز سفينة الفضاء هذه النقطة تعود مرة أخرى إلى الاقتراب من فلك المريخ بسرعة متزايدة. لكنها لن تلتقی بالكوكب في هذه المرة. وحينئذ يغلق المسار الطيران، وهو على شكل قطع ناقص، وتبدأ سفينة الفضاء بعد ذلك تعود أدراجها إلى الأرض بنفس السرعة التي انطلقت بها.
وهناك وسيلة أخرى للقيام بدراسة المريخ عن قرب، وتستمر هذه الدراسة فترة طويلة من الزمن. وذلك بأن نطلق صاروخا قويا ليرسو فوق سطح فوبوس، وديموس، وهما قمران تابعان للمريخ. ويبعد عنه بمسافة ۲۳٫۰۰۰ كيلو متر أي ۱ / ۱۷. من المسافة التي تفصل بين الأرض والقمر. ويبعد فوبوس بمسافة 9, ۰۰۰ كيلو متر عن سطح المريخ، وتستغرق دورته الكاملة حول الكوكب فترة أقل من ثماني ساعات. ويلاحظ أن حجم وكتلة هذه الأجرام السماوية صغيرة جدا، كما أن قوة جذب جاذبيتها لا يؤبه لها. ولذلك سيكون أيسر علينا أن نزود هذين القمرين عن أن نزود كوكبهما التابعين له.
ويفيدنا علم الطبيعيات الفلكية الحديث بمعلومات توحي إلينا بأن الظروف الطبيعية المحيطة بالقمر مشابهة إلى حد كبير بتلك التي تحيط بالمريخ عن أي كوكب آخر. ولقد قام مجموعة من علماء الفلك السوفيت وعلى رأسهم ج.تتجوف، بأبحاث طويلة في هذا الصدد. وانتهى هؤلاء العلماء من بحثهم إلى الاعتقاد بوجود نباتات على ظهر المريخ. ويعتقد العلماء أن الغلاف الغازي المحيط بالمريخ يحتوي على غاز الأكسجين، وخلوا من الغازات التي تؤدي حياة الإنسان.
هذا على الرغم من أن الغلاف الغازي رقيق جدا، حتى ولو كان فوق سطح الكوكب مباشرة. ومن ثم سيضطر المسافرون عبر الفضاء أن يحيوا داخل حجرات حب الهواء حيث يتيسر تنظیم الضغط وحرارة الجو بداخلها، كما سيضطرون إلى ارتداء معاطف الفضاء قبل أن يتركوا الصاروخ. ومن المحتمل وجود ماء فوق سطح المريخ. ويعتبر مناخ المريخ مناخا قاريا أكثر مما هي الحال على الأرض. والسبب في ذلك أن شدة الإشعاعات الشمسية فوق سطح المريخ تبلغ نصف شدة الإشعاعات الساقطة على الأرض.
ما أفضل المسارات من الناحية الاقتصادية والتي يجدر بنا اتباعها في غزو المريخ بحيث يتيسر لنا الهبوط فوق سطحه؟
إن أقصر خط بين نقطتين في الفضاء هو الخط المستقيم. وأيا كان الأمر فإن سفينة الفضاء لن تتمكن من الطيران كما يطير الغراب. إذ إن جاذبية الشمس ستجبر الصاروخ على أن يحيد عن طريقه في الفضاء تماما، كما تؤثر جاذبية الأرض على مسار حجر قذف في الفضاء إلى أعلى فيسير بزاوية معينة. حقا إن سفينة الفضاء يمكنها أن تسير في مسار مستقیم وذلك إذا ما دارت محركاتها باستمرار. إلا أن ذلك معناه زيادة في استنفاد الوقود بكمية هائلة.
والوسيلة الوحيدة التي يمكن بها لسفينة الفضاء أن تتخلص من عملية الانحراف عن مسارها، بتأثیر جاذبية الشمس، وتسير في مسار مستقيم هي أن تطير في خط رأسي مواز لأشعة الشمس. لكن هذا النوع من الطيران يستلزم كميات هائلة من الوقود، لأن سفينة الفضاء ستضطر إلى أن تخمد هذه السرعة الهائلة التي كانت تدور بها هي والأرض حول الشمس. وتقدر هذه السرعة بنحو 30 كيلو مترا في الثانية. وهذه السرعة ستحرف سفينة الفضاء عن طريقها بنفس الطريقة التي يحرف بها التيار قاربا وضع في النهر ليعبره إلى الشط الأخر ويسير في زاوية قائمة.
ولنفترض، مع هذا كله، أننا بدأنا رحلة إلى المريخ متبعین أقصر الطريق وأكثرها استقامة. إذا حدث ذلك فإن الرحلة تتم خلال ۸۰ يوما. ولكن لابد، لبلوغ هذا الهدف، من السير بسرعة لا تقل عن ۳۹ كيلو مترا في الثانية. ومن الواضح أن مثل هذا الطريق يكلفنا تكاليف باهظة.
وعلى العكس من ذلك، فلو بدأت سفينة الفضاء تحلق في مسار شبه القطع الناقص، فإنها ستضطر إلى أن تنطلق من الأرض بأقل سرعة ممكنة لها. وسوف تسير السفينة بأقل سرعة لها كذلك حينما تبدأ في عملية الهبوط فوق المريخ.
وسبق أن أشرنا إلى أن سفينة الفضاء يستحيل عليها أن تنطلق من فوق سطح الأرض في أي لحظة من اللحظات، إن لم تتبع فی سیرها خطا مستقيما. إذا لابد وأن يكون المريخ في وضع معين بالنسبة للأرض إذا كان لابد للصاروخ من أن يلتقي به حينما يبلغ مداره. ويلاحظ أن المريخ لا يتخذ هذا الوضع المحدد إلا مرة واحدة كل ۷۸۰ يوما في المتوسط.
وتستغرق الرحلة إلى المريخ مدة ۲۵۹ يوما. ذلك إذا كان مسارها شبه قطع ناقص. وسيضطر المسافرون عبر الفضاء إلى الانتظار مدة 454 يوما قبل أن يعودوا أدراجهم متخذين نفس المسار، حتى يعود الكوكبان إلى وضعهما الصحيح بالنسبة لبعضهما.
وإذا اتبعت سفينة الفضاء مثل هذا المسار في رحلتها إلى المريخ، فلابد لها وأن تنطلق بسرعة ۱۱٫6 كيلو متر في الثانية. ولكن من المشكوك فيه أن يرضى إنسان، من الموعودين بالسفر عبر الفضاء بالقيام بهذه الرحلة التي يقطع فيها مثل هذا الطريق الطويل. ويمكن للمسافرين أن يختصروا زمن العبور، وذلك إذا زادت سرعة الانطلاق، وسافروا في مسار على شكل القطع المتكافئ. وتستغرق رحلتهم في هذه الحالة ۷۰ يوما. وذلك على افتراض أن سفينة الفضاء بدأت رحلتها وكانت سرعتها المبدئية لانطلاقها هی ۱۹٫۷ كيلو متر في الثانية. وبالتالى فإذا زادت السرعة المبدئية للانطلاق إلى 1 , 4 مرة ستنخفض المدة التي تستغرقها رحلتهم بواقع ۳٫۷ . وتلك هي إحدى القسمات المميزة للملاحة عبر الفضاء.
ان الاعتقاد الشائع في نهاية القرن الماضي أن المريخ تسكنه حیوانات راقية. وكتب الكثيرون روايات وقصصا تناولت هذا الموضوع. ولكن لم يحاول مؤلفو هذه الروايات أن يكلفوا أبطالها عناء التفكير في توقيت طيرانهم أو تحديد المسار الذي يجب عليهم أن يتبعوه. ومع هذا فلو فكروا في هذا الموضوع فإنه سيزداد صعوبة وتعقيدا. إن رحلة بين كوكبين يمكن أن تتم فقط عبر عدد من الطرق المعقولة"، ولابد وأن يوضع موضع الاعتبار، مواضع الكواكب بالنسبة إلى بعضها، ومن ثم فلابد وأن تحدد بدقة مواعيد انطلاق سفن الفضاء ومواعيد وصولها إلى أهدافها.
ولو قدر لنا أن نرسم جدولا يبين مواعيد الطيران إلى المريخ أو الزهرة، فإننا سنجد فيه كثيرا من الخانات البيضاء، أو "الفصول العاطلة". وتتراوح مدة هذه الفصول من بضعة أشهر إلى العام ونصف العام، أو ما يقارب ذلك. ولن تتمكن سفينة الفضاء في هذه الفترة من الانطلاق من فوق سطح الأرض أو الهبوط فوق هدفها، نظرا لأن الكواكب لم تتخذ الوضع الملائم للقيام بالرحلة.
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق