التطور العلمي في الماضي والمستقبل

0

التطور العلمي في الماضي والمستقبل



منذ أكثر من نصف قرن «إن المعارف والمهارات تقف اليوم وحدها كمصدر وحيد لأفضلية المقارنة بين الأمم». فهل مازال الاهتمام بالمقارنة بين الأمم له مكانته الآن؟، إن دور الدول أو الأمم سوف يضمحل في هذا القرن، لما سوف تنتجه علوم المستقبل من تغيير كل الموروثات والتقاليد الإنسانية منذ فجر التاريخ. فهل نحن في مفترق طرق الآن، أم أن العلم أخذ في تغيير أساسياته البحثية، أم سوف تترك العلوم الطبيعية زمام التطور التكنولوجي، وتأخذ الزمام علوم أخرى مثل علوم الكمبيوتر والبيولوچی مكان هذه العلوم. أين نحن الآن؟

للإجابة على هذا السؤال، لابد وأن نبدأ بأفكار عن الماضي وكيفية تطور الحياة الإنسانية مع التطور العلمي وكذا نظرة إلى المستقبل من خلال الموروثات العلمية حتى الآن. هناك ثلاثة محاور علمية رئيسية في هذا العصر، وهى الذرة، والكمبيوتر، والثورة البيولوجية. وتضافر هذه المحاور الثلاثة سوف يكون نقطة تحول علمية فاصلة فلاشك فإن التزاوج والتلاحم بينها سيولد قدرة على التحكم في المادة والذكاء والحياة وهى المحك الحقيقي في هذا العصر .

الفيزيائيون هم أكثر العلماء توفيقا في موضوع التنبؤ بالمستقبل كما قال الباحث الفيزيائي ميتشو کاکو michio kako ويعلل ذلك بأن الفيزيائيين ليسوا عرافين يتنبئون بالمستقبل ولكن نظرا لنظرياتهم وعلمهم يمكنهم التوقع لما قد يأتي. هل هذه الجملة التي رددها ميتشو كاكو سوف تكون صحيحة حتى الآن، أم أننا نحتاج إلى عراف آخر، عنده علوم أخرى يمكن أن تساعدنا على رؤية المستقبل. الكمبيوتر تتضاعف قدرته مرة كل 18 شهرا فقط، وعلوم الهندسة الوراثية والجينات أصبحت تقرر اليوم مصير المستقبل.

العلم «إذا كان المرء يؤمن بالعلم فيجب عليه أن يقبل إمكان انتهاء الحقبة العظيمة من الكشف العلمي، فالمزيد من البحث العلمى قد لايسفر عن ثورات واكتشافات كبيرة بل يمكن أن يكون له مردود متناقص وهزيل». فهل يقصد أننا على أعتاب نهاية فکر علمی، وبداية فكر آخر له مردود تكنولوجي من نوع آخر. إن رتابة التصور التكنولوچی والبحوث العلمية الحالية هو الذي جعل جون مورجان يبنى تصوراته في كتاب نهاية العلم، أو نهاية حقبة علمية تعتمد على العلوم الأساسية فقط.

ولن يأتي هذا التحول الجوهری المنشود إلا إذا تحولنا من مجرد مراقبين للطبيعة إلى مصممين لها، بمعنى أن الإنسان بدأ الزحف الآن نحو المستقبل من خلال عمل الإنسان الآلى والاستنساخ وعمل ذاكرة للكمبيوتر تستوعب ما لايستوعبه عقل الإنسان. قبل الخوض في المستقبل نخوض قليلا في تاريخ علوم القرون الثلاثة الماضية، حتى نعرف أين كانت تقف أقدامنا، وهل سنغير مكانها الآن؟

تطور العلوم الطبيعية والفلسفية


تبلورت العلوم الكلاسيكية على يد العلماء جاليليو ونيوتن، والتي مهدت لميلاد العلوم الحديثة التي خرجت من رحم العلوم الكلاسيكية على يد علماء آخرين مثل آينشتين وشرودنجر وغيرهم. وبدأت عجلة التطور التكنولوجي التي غيرت الحياة على سطح الأرض، والتي كانت لم تتغير كثيرا منذ وجود الإنسان على سطح الأرض خلال رحلته التي تتعدى المائة مليون سنة. الثلاثة قرون الماضية فقط هي التي تلاحقت فيها المخترعات والتطور السريع، حتى وصل الإنسان الآن إلى عصر البيو إليكترونك. كل ذلك سبقه تطور آخر في العلوم الطبيعية والفلسفية.

كان لزاما أن نقترب من فكر وشخصية جاليليو ونيوتن حتى نعرف بداية الثورة الحالية من العلوم والتكنولوجيا.وكان والده يعمل بتجارة الأقمشة في فلورنسا وزوجته تدعى جوليا Gialia. توفي جاليليو جاليليه في 8 يناير سنة ۱۹۶۲ وفقد بصره في سنة ۱۹۳۷. ألف كتاب المحادثات، وتظهر فلسفة جاليليو في قوله «الله قد سمح لنا بالبحث في بناء الفضاء الكوني كله إلا أنه أخفى عنا إلى الأبد النفاد الشعلى إلى عمل يديه» ربما حتى لاتضمر وتموت وظيفة العقل البشري».

لقد علق ألبرت آینشتين على كتاب المحادثات الجاليليو بقوله، إن السلطات كانت قد أمرت جاليليو قبل صياغته لهذا الكتاب بعدم إعلان انضمامه إلى تعاليم كوبر نيقوس Koppernicus ولكن الكتاب يعتبر محاولة ماكرة لتنفيذ هذا الأمر مع عدم التغاضى عن عرض الحقائق الأساسية (وهي أن الشمس مركز المجموعة الشمسية). ثم قال آينشتين إنني أرى أن المحرك الأول لكتاب جاليليو يتجلى في نضاله على الملأ ومعاناته من حربه ضد كل المعتقدات التي بنيت على الأساطير، لقد أخذ جاليليو من هذا النضال الخبرة العملية والتفكير الدقيق كمقاييس قاطعة للحقيقة «ألف جاليليو کتاب الحوار وظل ممنوعا مايقرب من ۲۰۰ سنة.

 ورفع الحظر عنه في .۱۸۲۲ جاليليو له الفضل في وضع العلم كطرف ثالث أمام التعاليم الدينية والتعاليم الفلسفية، ودخل العلم كطرف ثالث في الصراع الأبدي بين الدين والفلسفة، وكان له الكلمة الفصل. يقول جاليليود إن التعاليم الدينية والتعاليم الفلسفية تعايشت مع بعضها البعض في أوروبا أثناء العصور الوسطى، وظهر مايسمى بالفلسفة الورعة أو الورع الفلسفى، وكان ذلك سبب تخلف أوروبا كل هذه السنوات عن ركب التطور العلمي ويقول أيضا «لكن الفلسفة لم يكن لديها الشجاعة لمواجهة التعاليم الدينية، ولكن العلم بدخوله كطرف ثالث، ترك العنان لهذه النخبة التي تسمى بالباحثين العلميين لتغيير وجه الحياة على الأرض». 

يقول ستيلمان دارك المؤرخ الإنجليزي (ولد سنة ۱۹۱۰) إن معظم التحليلات الفلسفية، التي قرأتها، لم تأخذ في اعتبارها إمكانية تنبيه جاليليو إلى قابلية الانفصال التدريجي للفيزياء عن الفلسفة، لذا بدأ جاليليو حياته كفيلسوف طبيعي، لكن من الواضح أنه قد احتفظ بهذا الخط الفكرى طوال حياته، ويقول ستيلمان دارك «لقد اعتبر جاليليو أنه من الفضيحة أن أساتذة الفلسفة آنذاك قد فسروا بعض مواضع الكتاب المقدس باستخدام الأدلة العلمية». يضيف قائلا إن كل نصوص العلم تقبل الشك والتأويل، بل أنه لايوجد حتى الآن قانون علمی شامل وكامل، بل حتى قوانين الرياضيات والفيزياء التي كانت السبب المباشر، التقدم التكنولوجي في القرن العشرين أصبحت الآن موضع شك في صحتها، بل في الأساس الذي بنيت عليه هذه العلوم. 

وبالتالي عندما يتعرض العلم لموضوع، وتكون نتائجه يمكن تفسيرها على أنها غير منسجمة مع الدين (كما حدث بين رجال الكنيسة وكل من كيبلر وجاليليو)، يجب ألا يزعج الورعون والمتدينون لأن هذه القوانين متغيرة، وتقبل التجريب والصحة والخطأ وهذا يعطى العلم دفعة للتقدم والتطور، وهذا مطلوبا في العلوم وليس مطلوبا بالطبع في الدين. إنه من الخطأ أن يشكك أحد في أخلاق أو دين الباحثين بناء على إتقانه لعمله وقيامه به على خير وجه، كما حدث مع الكنيسة في بداية النهضة العلمية. في نفس الفترة الزمنية لجاليليو كان يقوم العالم الفذ يوهانس كبلر.

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق