التطور العلمي في الماضي والمستقبل
ولن يأتي هذا التحول الجوهری المنشود إلا إذا تحولنا من مجرد مراقبين للطبيعة إلى مصممين لها، بمعنى أن الإنسان بدأ الزحف الآن نحو المستقبل من خلال عمل الإنسان الآلى والاستنساخ وعمل ذاكرة للكمبيوتر تستوعب ما لايستوعبه عقل الإنسان. قبل الخوض في المستقبل نخوض قليلا في تاريخ علوم القرون الثلاثة الماضية، حتى نعرف أين كانت تقف أقدامنا، وهل سنغير مكانها الآن؟
تطور العلوم الطبيعية والفلسفية
لقد علق ألبرت آینشتين على كتاب المحادثات الجاليليو بقوله، إن السلطات كانت قد أمرت جاليليو قبل صياغته لهذا الكتاب بعدم إعلان انضمامه إلى تعاليم كوبر نيقوس Koppernicus ولكن الكتاب يعتبر محاولة ماكرة لتنفيذ هذا الأمر مع عدم التغاضى عن عرض الحقائق الأساسية (وهي أن الشمس مركز المجموعة الشمسية). ثم قال آينشتين إنني أرى أن المحرك الأول لكتاب جاليليو يتجلى في نضاله على الملأ ومعاناته من حربه ضد كل المعتقدات التي بنيت على الأساطير، لقد أخذ جاليليو من هذا النضال الخبرة العملية والتفكير الدقيق كمقاييس قاطعة للحقيقة «ألف جاليليو کتاب الحوار وظل ممنوعا مايقرب من ۲۰۰ سنة.
ورفع الحظر عنه في .۱۸۲۲ جاليليو له الفضل في وضع العلم كطرف ثالث أمام التعاليم الدينية والتعاليم الفلسفية، ودخل العلم كطرف ثالث في الصراع الأبدي بين الدين والفلسفة، وكان له الكلمة الفصل. يقول جاليليود إن التعاليم الدينية والتعاليم الفلسفية تعايشت مع بعضها البعض في أوروبا أثناء العصور الوسطى، وظهر مايسمى بالفلسفة الورعة أو الورع الفلسفى، وكان ذلك سبب تخلف أوروبا كل هذه السنوات عن ركب التطور العلمي ويقول أيضا «لكن الفلسفة لم يكن لديها الشجاعة لمواجهة التعاليم الدينية، ولكن العلم بدخوله كطرف ثالث، ترك العنان لهذه النخبة التي تسمى بالباحثين العلميين لتغيير وجه الحياة على الأرض».
يقول ستيلمان دارك المؤرخ الإنجليزي (ولد سنة ۱۹۱۰) إن معظم التحليلات الفلسفية، التي قرأتها، لم تأخذ في اعتبارها إمكانية تنبيه جاليليو إلى قابلية الانفصال التدريجي للفيزياء عن الفلسفة، لذا بدأ جاليليو حياته كفيلسوف طبيعي، لكن من الواضح أنه قد احتفظ بهذا الخط الفكرى طوال حياته، ويقول ستيلمان دارك «لقد اعتبر جاليليو أنه من الفضيحة أن أساتذة الفلسفة آنذاك قد فسروا بعض مواضع الكتاب المقدس باستخدام الأدلة العلمية». يضيف قائلا إن كل نصوص العلم تقبل الشك والتأويل، بل أنه لايوجد حتى الآن قانون علمی شامل وكامل، بل حتى قوانين الرياضيات والفيزياء التي كانت السبب المباشر، التقدم التكنولوجي في القرن العشرين أصبحت الآن موضع شك في صحتها، بل في الأساس الذي بنيت عليه هذه العلوم.
وبالتالي عندما يتعرض العلم لموضوع، وتكون نتائجه يمكن تفسيرها على أنها غير منسجمة مع الدين (كما حدث بين رجال الكنيسة وكل من كيبلر وجاليليو)، يجب ألا يزعج الورعون والمتدينون لأن هذه القوانين متغيرة، وتقبل التجريب والصحة والخطأ وهذا يعطى العلم دفعة للتقدم والتطور، وهذا مطلوبا في العلوم وليس مطلوبا بالطبع في الدين. إنه من الخطأ أن يشكك أحد في أخلاق أو دين الباحثين بناء على إتقانه لعمله وقيامه به على خير وجه، كما حدث مع الكنيسة في بداية النهضة العلمية. في نفس الفترة الزمنية لجاليليو كان يقوم العالم الفذ يوهانس كبلر.
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق