الحياة داخل سفينة الفضاء

0

الحياة داخل سفينة الفضاء




منذ أكثر من مائة عام مضت، دخلت إحدى المجلات الإنجليزية في جدال عنيف مع المخترع الإنجليزي المشهور جورج ستفنسون. زعمت هذه المجلة بأنه ليس ثمة شيء أكثر بطلانامن الادعاء بأن في الإمكان بناء قاطرة تسير بسرعة تقدر بضعف سرعة عربة البريد؛ واستمرت المجلة تقول: ومن الغباء الاعتقاد بأن سكان وولويتش سيأمنون على حياتهم ويثقون في هذه الآلة. إذ إن هذا معناه أنهم سيلقون بأنفسهم للاحتراق داخل صاروخ.

ومن الطريف أن ستيفنسون أطلق على أول قاطرة أسم "صاروخ" ولقد تحرك "الصاروخ" في السباق الذي تم بعد ذلك بسرعة تعادل أضعاف سرعة عربة البريد، ووصل ركابه إلى هدفهم في أمن و سلام.

ولا شك في أن ستيفنسون نفسه كان سيدهش، إذا ما نمي إلى علمه أن الإنسان سيتمكن من السفر داخل صاروخ حقيقي يسير بسرعة كونية ويتم رحلته في أمن وسلام، وأن ذلك سيتحقق بعد أن تتهيأ بعض الشروط الضرورية. ويلاحظ أن كلا من الإنسان وسفينة الفضاء سيتأثران بحالات من الجذب، نتيجة تزايد السرعة، عند انطلاق الصاروخ.

تأثر جسم الانسان بالفضاء


لهذا فإن مدى تحمل الجهاز العضوى للإنسان، هو الذي سيحدد شدة الجنب التي يمكن أن نتجاوز عنها، كما أنه سيحدد بالتالى المدى الذي تزيد السرعة وفقا له. ويمكن بلوغ السرعات الكونية بعد بضع دقائق، إذا ما زادت عجلة التثاقل إلى أربعة أو خمسة أمثالها.

وتفيدنا الخبرة العملية أن الإنسان قادر على تحمل حالات من الجذب والضغط الكبير. ويتبين لنا ذلك مثلا إذا ما ركب الإنسان عربة تتحرك بسرعة هائلة. ثم تقف فجأة، أو حينما تغطس تحت الماء من فوق ارتفاع معين. كما أن الطيار يواجه حالات من الضغط الشديد، إذا ما أطلقت مركبته الهوائية من فوق قاعدة لإطلاق القذائف والصواريخ، أو حينما يقوم ببعض الألعاب البهلوانية في الهواء.

ولقد أجريت تجارب خاصة، بهدف زيادة معلوماتنا في هذا الصدد. وهاك مثال من تلك التجارب: وضع رجل لمدة ست دقائق  داخل مركب تسير في حركة دورانية. وكان هذا المركب دائري الشكل، ونصف قطره خمسة أمتار، كما كان يتحرك بسرعة تساوی 14 مترا في الثانية، وروعي أن تكون الظروف الملابسة للتجربة مماثلة لتلك التي سيواجهها الإنسان أثناء السفر بين الكواكب. ولقد نجحت التجربة، ولم يترتب عليها أي أذى للإنسان.

وتبين أن قدرة الجهاز العضوى على التحمل، تتوقف إلى حد كبير على وضع الجسم أثناء الطيران بسرعة متزايدة. وأثبتت التجارب أن الإنسان في الوضع الانبطاحي أقدر على تحمل حالات الضغط الشديد، مما لو كان متخذا وضع الوقوف أو الجلوس.

ولقد جهزت الصواريخ الآن بوسائد خاصة تتعدل بنفسها، حسب هيئة الجسم حينما تعتريه حالة من الضغط المفرط. والهدف المقصود من ذلك هو زيادة مقاومة الكائن العضوي.

ويجب أن نضع في اعتبارنا التدريب البدني، فقد ثبت أن من تدربوا تدريبا بدنيا جيدا يتحملون ضغطا يزيد على وزنهم بمقدار خمس عشرة مرة، وأنهم يستمرون في ذلك لمدة دقيقتين أو ثلاث دقائق. وتبين حسب وجهة نظر علم وظائف الأعضاء، أن هذه القدرة من التحمل، لا تكفي فقط للسير عبر الفضاء الموجود بين الكواكب، بل إلى ما هو أبعد من ذلك.

ومن الطبيعي جدا أن الناس الذين يسافرون فى صاروخ يتحرك عبر الفضاء، بقوة دفع كمية حركته الذاتية، لن يشعروا بأن لهم ثقلا بالمرة. إذ إن الإحساس بالثقل ناجم عن الضغط الذي يقع على جسم الإنسان، من حامل يحمله (مثل ضغط الأرض، أو السرير أو الكرسي... إلخ). كما أنه نتيجة للضغط المتبادل بين أجزاء الجسم وبعضها بعضا، ولو فرض أننا انتزعنا هذا الحامل الذي يركن إليه الإنسان، فإن الإحساس بالثقل سينتهي أيضا. لنفترض، مثلا أننا بداخل مصعد صمم بطريقة خاصة . وأن هذا المصعد يهبط بنا الأن دون أن يعوقه أي شيء. حينئذ ستهبط كل الأشياء الموجودة بداخل المصعد، بنفس السرعة، ولهذا فلن يكون الأحدنا أي ضغط على الآخر. ولو افترضنا أن شيئا ما، في يدك، ثم تركته يسقط، فإنه لن يسقط على أرضية المصعد. والسبب في ذلك، هو أن هذا الشيء قد فقد ثقله، تماما كما فقدت كل الأشياء الأخرى الموجودة داخل المصعد تثقلها بما فيها أنت نفسك.

وهاك مثال آخر. إذا وضعنا ثلاثة قوالب من الطوب فوق بعضها، فإن القالب الأول سيكون له ضغط معين على القالب الموضوع في الوسط، بينما سيكون ضغط القالب الثاني على القالب الثالث ضعف ضغط القالب الأول. ولو تصورنا أننا ألقينا بهذه القوالب الثلاثة، وهي في نفس الوضع، من النافذة، فإنها لن تضغط على بعضها، إذ لن يكون أي منهم حاملا للأخر.

ونحن على سبيل المثال نشعر بفقدان الثقل على الأرض حينما نترك الحامل الذي يمسكنا ونغطس في الماء. أو حينما نهبط من الطائرة وننزل على مهل. وإذا قفزت من على ارتفاع و أنت تحمل في جيبك شينا له ثقل، فإنك لن تشعر بهذا الثقل إذا كنت تهبط في مجال ليست فيه مقاومة. ويلاحظ أن الشخص الذي ينزلق على الجليد من فوق جبل مثلا، يشعر بفقدان جزئى للثقل، وهذه هي الحال بالنسبة للشخص الذي يترنح، وخاصة بعد أن يصل إلى أعلى جزء. ومن المعروف كذلك أن الهابطين بالمظلات، والأشخاص الذين يقومون بالألعاب البهلوانية، يحسون بفقدان الثقل، دون أن يفقدوا توازنهم، أو تنظيم حركاتهم.

ويقصد بلفظة ثقل" بوجه عام في علم الأسفار عبر الفضاء، القوة التي تحفظ الناس والأجهزة فوق أرضية سفينة الفضاء. وإذا حدث أن انعدمت هذه القوة، فلن يكون هناك أي ضغط متبادل بين الناس والأشياء وبين بعضها بعضا، وستصبح غير ذات ثقل. ويقول بعض أولى الشأن بأن ثقل الإنسان، أو الشيء فوق سطح الصاروخ يبدو وكأنه ينخفض ويزداد أثناء الطيران. إلا لكننا على أية حال لا نقر هذا الرأي، طالما أن الفارق الفعلي في الثقل يمكن تسجيله بواسطة آلات خاصة بذلك.

ويبين لنا الشكل رقم ۱۰، كيف أن ثقل الجسم يتغير داخل الصاروخ. إذ يلاحظ أن نقل كيلو جرام واحد معلق في ميزان زنبرکی، يحرك مؤشر الميزان ليشير إلى علامة كيلو جرام واحد، وهذا بالنسبة للثقل قبل انطلاق الصاروخ. أما بعد أن يحمل الهواء الصاروخ، فإن نقل الأجسام الموجودة بالداخل تزداد إلى أضعافها، إذ قد تصل مثلا إلى أربعة أمثالها، وبهذا يشير مؤشر الميزان إلى علامة 4 كيلو جرامات. وحينما يتحرك الصاروخ بقوة دفع كمية حركته الذاتية، فإن كل الأجسام الموجودة بداخله تفقد ثقلها . وبهذا يعود مؤشر الميزان إلى العلامة صفر.

ما زال أمامنا كثير من الجهود الشاقة المضنية، التي يجب علينا أن نبذلها لحل مسألة تموين المسافرين عبر الفضاء بكميات كافية من الأكسجين والماء والطعام، وذلك في أولى رحلاتهم إلى  المريخ والزهرة. إذ إن هذه الرحلة ستستغرق أكثر من عامين. وما زلنا كذلك في حاجة إلى القيام بدراسة تفصيلية أكثر مما هو الأن لحل مشكلة نتقية الماء والهواء على ظهر سفينة الفضاء. لكن أهم شيء الآن هو: أن حل هذه المشكلة كلها أصبح من الأمور الممكنة عمليا.

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق