قوة الجانبية و مشكلة الإفلات من الأرض

0

قوة الجانبية و مشكلة الإفلات من الأرض



لنحاول أن نلقي نظرة إلى المجموعة الشمسية التي سنعبر أرجاءها اللامحدودة بسفن الفضاء التي سنصنعها في المستقبل. الأرض حول الشمس في مدار دائري تقريبا، وهي تسير بسرعة عظيمة في فضاء خال من الهواء. وتبعد الأرض عن الشمس في حركتها هذه بنحو ۱۰۰ , ۰۰۰ , ۰۰۰ ق.م. ويؤخذ هذا البعد على اعتبار أنه وحدة فلكية واحدة، أما الكواكب الثمانية الكبرى، وعدد كبير آخر من الكواكب الصغرى - الكويكبات - فإنها تتحرك في نفس مستوى مدار الأرض. ويبين لنا مقارنة الأبعاد الكواكب عن الشمس.

وينتهي الفضاء الموجود بين الكواكب عند مدار بلوتو، وبلوتو هذا هو الكوكب الأخير في المجموعة الشمسية، وتفصل بينه وبين 31 الشمس مسافة تقدر بنحو ۹٫۰۰۰٫۰۰۰٫۰۰۰ ق.م، وهذا هو الفراغ اللامحدود الذي ستضطر سفن الفضاء إلى عبوره. وسوف تستفيد هذه السفن في حركتها من جاذبية للشمس، أو ستضطر إلى مقاومتها. كما ستضطر إلى تجنب الاصطدام بالشهب وأسراب الكويكبات السابحة في الفضاء.

لكن ما الذي يمنعنا من البدء بإطلاق صاروخ في الفضاء؟


إن العقبة الكبرى هي قوة الجانبية، فكل شيء موجود على سطح الأرض مجذوب إلى مركزها، وليست هذه هي حال الأرض وحدها، بل إن كل الأجسام، من حبة الرمل الصغيرة، إلى النجم الهائل، له قوة الجاذبية هذه. فكل الأشياء التي تحيط بنا يجنب بعضها بعضا. ونحن لا نشعر بذلك، لأن قوة الجذب فيها ضعيفة جدا، ونحن نشعر من ناحية أخرى بالجانبية الأرضية على الدوام.

ولولا الجانبية هذه، لما بقى شيء على سطح الأرض. إذا بدونها لطار كل شيء وانطلق في الفضاء. كما أن الأرض ستنطلق بعيدا
.عن الشمس، ويبتعد القمر عن الأرض. ونظرا لأن هذه القوة حقيقة لها وجودها الفعلي، فإنها تعقد مشكلة السفر بين الكواكب

هل من الممكن أن يترك صاروخ الأرض ولا يعود إليها أبدا؟ نعم من الممكن ذلك. ولنتخيل أن هناك قاعدة بنيت فوق جبل عال، حيث لن يعد الهواء عقبة تحول دون طيران الصاروخ، وإذا افترضنا أن صاروخا أطلق من هذه القاعدة بسرعة معينة، فإنه سيتبع مسارا منحدرا، ويسقط على بعد معين من الجبل، وإذا افترضنا أن قوة الوقود التي تدفع الصاروخ وسرعته قد ضوعفتا، فإنه سيطير إلى مسافة أبعد، كما أن مساره سيكون بالتالي أقل انحدارا. 

وهكذا يمكن زيادة سرعة الصاروخ حتى تصبح درجة انحدار مساره هی نفس درجة انحدار سطح الأرض. وإذا ما بلغ الصاروخ هذه الدرجة فإنه يستطيع حينئذ أن يدور حول الأرض ويطوف حولها مرة بعد  أخرى. وبهذه الطريقة يصبح الصاروخ تابعا للأرض، وسيكون مثل القمر، ولن يسقط أبدا على سطحها.

وإن أقل سرعة يمكن بها لجسم من الأجسام أن يدور حول الأرض دون أن يسقط تسمى بالسرعة الأولى للسفر عبر الفضاء، أو السرعة الدائرية.

ولكن لماذا لا يسقط جسم يتحرك بمثل هذه السرعة على الأرض؟ لنفترض أن طائرة تطير حول الأرض على طول خط الإستواء أو خط الزوال. فإن هذه الطائرة تقع تحت تأثير قوة طرد مركزية، وتزداد هذه القوة بزيادة سرعة الطائرة. وتقاوم هذه القوة جذب الجاذبية، وتحاول رفع الطائرة بعيدا عن الأرض. ولا يمكن ملاحظة هذه القوة بوضوح في السرعات البطيئة.

ولكن حينما تصل السرعة إلى ۷٫۹كم في الثانية، فإن قوة الطرد المركزية تساوی حينئذ قوة الجاذبية وتفقدها غلبتها. وهذه هي ما نسميها بالسرعة الأولى للسفر عبر الفضاء. ولولا مقاومة الهواء التمكنت الطائرة التي تطير بمثل هذه السرعة أن تدور حول الأرض لمدة غير محدودة، ويكون لها نفس كمية الحركة. وبهذا تصبح الطائرة كوكبا صناعيا تابعا للأرض.

ما السرعة التي يجب أن يسير عليها جسم من الأجسام حتى يتغلب على جاذبية الأرض


وما السرعة التي يجب أن يسير عليها جسم من الأجسام حتى يتغلب على جاذبية الأرض، وينطلق في الفضاء؟ لكي نجيب عن هذا السؤال لابد لنا أن نعرف شيئا ماعن الجاذبية.

تقل قوة جذب الجاذبية الأرضية كلما ابتعد الإنسان عن مركزها، وهذه هي الحال بالنسبة للأجرام السماوية الأخرى. وتقل هذه القوة بنفس النسبة التي يخف فيها لمعان جسم من الأجسام كلما ابتعد عن مصدر الضوء الذي يسقط عليه، أي يتناسب تناسبا عكسيا مع الجذر التربيعى للمسافة. أو بعبارة أخرى تخف نسبة قوة جذب الجاذبية بمقدار يساوى عامل العدد 4، إذا كان الجسم على بعد ضعف هذا العدد، أو تخف بنسبة عامل العدد ۹، إذا كان الجسم على بعد يساوي هذا العدد ثلاث مرات.

وکی نخلص جسما من الأجسام من مجال جاذبية أحد الكواكب فلابد من أن نبذل نفس كمية الجهد التي يجب بذلها إذا أردنا أن نرفع الجسم إلى ارتفاع مساو لنصف قطر الكوكب.

هذا على فرض أن قوة الجانبية لا تتغير كلما ابتعد الجسم عن مركز الكوكب، ويمكننا أن نحقق ذلك إذا ما اكتسب الجسم بالقرب من سطح الأرض سرعة معينة. والجسم الذي يسير بمثل هذه السرعة سيتخذ لنفسه مسارا على شكل قطع متكافئ (شكل 5)، وهذا هو الأصل الذي اشتق منه اصطلاح سرعة القطع المتكافئ، والتي تعرف أيضا باسم السرعة الثانية للسفر عبر الفضاء، أو سرعة الإفلات". وسرعة الأرض عند سطحها تساوی ۱۱٫۲ کیلو متر في الثانية.

وإذا كانت السرعة التي يكتسبها جسم من الأجسام تفوق السرعة الدائرية، و أقل من السرعة التي تدفعه وتحركه في مدار قطع متكافئ، فإن الجسم في هذه الحالة يسير في مدار على شكل القطع الناقص. أما إذا ما تجاوزت سرعة الجسم السرعة التي تدفعه إلى الحركة في شكل قطع متكافئ فإن الجسم يسير في مدار على ش كل القطع الزائد.

ولقد افترضت في حديثي أن الجسم خاضع فقط للجاذبية الأرضية، وهدفي من ذلك هو تبسيط عملية حساب حركة الجسم، بينما يقع الجسم في واقع الأمر تحت تأثير مجال جاذبية الشمس كذلك، وتبين لنا بعض العمليات الحسابية أن الجسم لكي يتحرر من مجال جاذبية الشمس والأرض، فلابد وأن يتحرك في سرعة لا تقل عن ۱۹ , ۷ كيلو متر في الثانية. وهذه هي السرعة التي تسمی بالسرعة الثالثة للسفر عبر الفضاء.

ومهمة علم السفر عبر الفضاء هي أن يهيء لنا الفرصة التحقيق السرعة الأولى والثانية والثالثة للسفر عبر الفضاء.

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق