رحلة للفضاء : رحلة إلى كوكب الزهرة
لو نظرت إلى الأفق المعتم بعد الغروب مباشرة فإنك ترى نجما شديد اللمعان. هذا هو كوكب الزهرة. وقد تبدو الزهرة للعيان قبل الفجر بفترة قصيرة، بل قد ترى في وضح النهار. ويرجع شدة لمعان الزهرة إلى قربها من الشمس وقدرتها على عكس الضوء.
وتعتبر الزهرة أقرب جيران الأرض. وهي أكثر کواکب المجموعة الشمسية شبها بالأرض، وتقل أبعادها وكتلتها عن أبعاد وكتلة كوكبنا بنسبة ضئيلة. ومن ثم فإن مكتشفي الفضاء في المستقبل لن يندهشوا لوزنهم حينما يستقرون على سطحها.
وفي عام ۱۷۹۱، اكتشف العالم ميخائيل لومندسوف، بواسطة أحد التلسكوبات، حافة مضيئة حول الزهرة حينما تقترب من قرص الشمس. و أرجع هذه الظاهرة إلى وجود غلاف غازي حول الزهرة. وأثبتت بعض عمليات الرصد التالية لذلك، أن الهالة المضيئة هي بالفعل الغلاف الغازي المحيط بالكوكب، و أنها مضاءة بواسطة الشمن. وقد تم رصد هذه الظاهرة عام ۱۱۸۲، وهو ما لم يتمكن الإنسان من رصده مرة أخرى سوى عام ۲۰۰4. ولكن ستختلف الحال بالنسبة للعلماء الذين يستقلون سفينة الفضاء، إذ إنهم سيتمكنون من رؤية هذه الظاهرة عدة مرات في العام الواحد.
وكانت هناك فكرة شائعة، وظلت سائدة مدة طويلة دون أن :: عزع، يرى أصحابها أن السحب المحيطة بالزهرة إنما تكونت بفعل بخار ماء، وأن هذه السحب تعكس أشعة الشمس بكمية كبيرة: ولكن أثبتت الأبحاث التي أجريت بعد ذلك أن طبقات الجو العليا لا تحتوي على بخار ماء ولا أكسجين، ولكنها تحتوي بدلا من ذلك على حامض كربونيك بنسبة كبيرة، ولذلك فمن المحتمل أن يكون الهواء الذي يغطي سطح الكوكب مباشرة غير صالح للتنفس، ولهذا فلابد وأن يحمل المسافرون معهم خزانات للأكسجين.
الضغط الجوي فوق سطح الزهرة
ويسود الاعتقاد بين بعض علماء الفلك بأن بنية الغلاف الغازي المحيط بالزهرة مشابهة للغلاف الغازي المحيط بالأرض. ولكن هناك علماء آخرين يعتقدون بأن غلاف الزهرة إلى ارتفاع الزهرة يمتد إلى ارتفاع شاهق أكثر من مثيله على الأرض. وقد كشفت بعض عمليات الرصد التي تمت وقت الشفق لكوكب الزهرة، أن الضغط الجوي فوق سطح الزهرة يزيد على الضغط الجوي فوق سطح الأرض بما يعادل مرتين أو ثلاث مرات.
وهذا من شأنه أن يساعد على تهدئة سرعة سفينة الفضاء حينما تدخل هذا النطاق بقصد الهبوط على سطح الزهرة. لم تثبت العلماء بعد بصورة نهائية من المدة التي يستغرقها كوكب الزهرة في الدورة الواحدة حول محوره (الزمن الذي يقضيه في دورة كاملة حول نفسه). ويعتقد بعض المشتغلين بعلم الفلك أنها 68 ساعة، بينما يرى البعض الآخر أنها مساوية للفترة التي تستغرقها الأرض في دورتها حول محورها، ويبری فریق ثالث أنها هي نفس المدة التي تقضيها الزهرة في دورتها حول الشمس، أي ۲۲۰ يوما، ولم يستطع العلماء بعد تحديد الزاوية بين خط الاستواء الكوكب الزهرة وبين فلکه. وهذه الزاوية هي التي تحدد المدة التي يستغرقها الليل والنهار طول العام. ولا يحتمل أن نهتدي إلى الإجابة عن هذه المسائل حتى يحلق المسافرون عبر الفضاء حول الزهرة.
ولا يمكننا بهذه المعلومات التي بين أيدينا أن نقدر الارتفاع والاتجاه الذين يجب أن تسير فيهما سفن الفضاء لكي تغوص داخل الغلاف الغازي المحيط بالزهرة، وتضمن لنفسها هبوطا مأمون العواقب. وكلما قلت سرعة سفينة الفضاء بالنسبة للغلاف الغازی المحيط بالكوكب كلما كان ذلك مدعاة للسهولة، والأمن في الهبوط. وتعتمد سرعة الصاروخ إلى حد كبير على توافق اتجاه طير انه مع دورة الكوكب حول نفسه.
إن عمليات الاستطلاع الأولية ستساعدنا على القيام بدراسة شاملة لبنية القشرة السطحية للزهرة، ومعرفة إذا كانت هناك نباتات وحيوانات أم لا. إلا أن ستار السحب، المحيطة بالكوكب، سيحول دون رصد سطحه مباشرة. ولكن، ورغم هذا الستار من السحب، هناك طرق حديثة للتصوير تستخدم فيها الأشعة تحت الحمراء. وهذه الطرق تيسر لنا تصوير سطح الزهرة من داخل سفينة الفضاء.
لنخيل أننا في طريقنا إلى الزهرة داخل سفينة الفضاء. (شكل 14) تنطلق السفينة بنا أولا من تفوق الأرض بسرعة مقدارها ۱۱٫5 كيلو متر في الثانية. ويوقف الملاح المحركات بعد ذلك، وحينئذ يشق الصاروخ عباب الفضاء مثل الحجر بعد قذفه بمقلاع. ولن يشعر الركاب بعد ذلك بأي ثقل و سيكون بمستطاعهم أن يروا كوكبنا من خلال النوافذ، على مسافة قصيرة وكأنه كرة لونها ضارب للزرقة و الاخضرار، وتدور على مهل في فضاء أسود فاحم. ويمكن رؤية حواف القارات التي تضيئها الشمس بوضوح من خلال فجوات السحب. وبعد أن تخرج السفينة من نطاق الجاذبية الأرضية تخلف الأرض وراءها بمسافات تتباعد باستمرار.
على هيئة كرة صغيرة لامعة ضاربة إلى الزرقة. وها هو عالم آخر جديد لا نعرف عنه شيئا، يقترب منا سريعا، ويتلألأ لونه الذي يجمع بين الزرقة و البياض. إنه الزهرة. وها هو ذا الكوكب يكبر حجمه ويخفي عن نظرنا نجوما كثيرة يزداد عددها مع مرور الوقت. والآن لابد من تهدئة سرعة الفضاء حتى تحول دون اصطدامها بسطح الزهرة كما يصطدم شهاب جبار. ولو قدر هذا الحادث أن يقع فإن طاقة الحركة ستتحول كلها إلى طاقة حرارية على شكل انفجار شدید يتبخر من جرائه کل محتويات السفينة، ولن يخلف وراءه أي أثر لها سوى فوهة ضخمة.
لقد بذل الملاح كل ما في وسعه کی يتجنب الاصطدام بسطح . الكوكب. وها هو ذا يدخل نطاق الغلاف الغازي المحيط بالزهرة ويسير موازيا تقريبا لسطحها، ويهدئ من سرعة الصاروخ، وذلك في مقدمة السفينة، ويوقف سفينة الفضاء بالفعل. وبعد لحظات قليلة تتمكن السفينة من أن ترسو على الأرض في أمن وسلام.
وها هم العلماء يمضون أوقاتهم في عمليات الرصد وإجراء التجارب، وجمع عينات أثارت اهتمامهم، ويقومون ببعض الأبحاث الأخرى. وأخيرا حان موعد الرحيل، وتنطلق سفينة الفضاء في سرعة مقدارها ۱۰٫۷ كيلو متر في الثانية، وتطير في مسار شبه القطع الناقص في منطقة تماس مداري الزهرة و الأرض. وستدخل السفينة الغلاف الغازي المحيط بالأرض في سرعة مقدارها ۱۱٫۵ كيلو متر في الثانية. ولكي يخمد الملاح سرعة السفينة، قبل أن تستقر على الأرض، فإنه سينزلق بها أولا في طبقات الجو العليا للارض، ثم ينتقل إلى الطبقات السفلى التي تزداد كثافتها بالتدريج.
60 يوما، إن لم يكن إلى ما هو أقل من ذلك. ولكي نتمكن من بلوغ هذا الهدف "اختصار زمن العبور" رغم يحدث تماما بالنسبة لقطعة الحجر. فكلمت زادت السرعة التي تنطلق بها قطعة الحجر عبر الهواء، كلما كانت أسرع في إصابة الهدف. وبالنسبة للحالة التي سبق لنا وصفها، فكلما زادت السرعة المبدئية التي تنطلق بها سفينة الفضاء بالنسبة للأرض، كلما قلت سرعتها بالنسبة للشمس. وذلك لأنها ستنطلق في اتجاه مضاد لحركة الأرض.
وإذا شئت أن تعرف لماذا تنقص المدة التي تقضيها السفينة في الطيران، على الرغم من انخفاض سرعة حركة الصاروخ في الفضاء، فليس عليك إلا أن تلق نظرة إلى الشكل 14. إذ إن هذا الشكل يعطيك مفتاح المشكلة، فالشكل يوضح لك ثلاث سرعات. ولنفترض أن الصاروخ تحرك بأقل السرعات الثلاث، فإنه يتمكن من أن يعبر أقل المسافات التي تساعده على اختصار زمن السفر.
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق